الجامعات الباقية

0

الجامعات الباقية

محمد الشاذلي النيفر


الزيتونة في أطوارها:

حطّمت الفتن والغارات المقبلة من الخارج والترهّل الاجتماعي، معالم كثيرة، ولم تبق إلاّ ثلاث جامعات أخذت شهرة عالميّة، واستطاعت على مرّ العصور أن تبقى صامدة. وأن تأخذ بحظّ وافر من التقاليد الجامعيّة.

وإن كانت أوجه الخلاف بينها وبين جامعات اليوم شاسعة، إلاّ أنّها في تأثيرها وتقاليدها هي جامعات. وهذه الجامعات هي:

  • جامعة الزيتونة (116 هـ / 734 م).
  • جامعة القرويين (245 هـ / 859 م).
  • جامعة الأزهر (361 هـ / 972 م).

وأعرق هذه الجامعات الثلاث هي الزيتونة التي أُسّست سنة 116 هـ على الصحيح، وتأتي بعدها في التأسيس جامعة القرويين بفاس حيث تأسّست سنة 245 هـ، ثمّ يأتي تأسيس الأزهر بالقاهرة سنة 361 هـ. وإنّما بقيت هذه الجامعات، -مع أنّ تونس خاصّة مرّت بعا أوقات عصيبة كما أنّ مدينة فاس والقاهرة رأتا من اختلاف الدول ممّا يكون مدعاة إلى تلاشى التعليم بهذه الكلّيات-. لأنّ اختلاف الدول في تونس وفاس والقاهرة لم يخرج بالصبغة الاجتماعيّة فيها إلى غيرها، وخاصّة في الأخيرتين، ولم ينقلهما من سياسة إلى أخرى بعيدة منها كلّ البعد كما وقع لبغداد فإنّ الحملة المغوليّة كادت تذهب بالإسلام منها.

والأمر في تونس وإن اختلف عن العاصمتين المتقدمتين بسبب الاحتلال الاسباني، وهو شبيه بالاحتلال المغولي.. لكن هذا الاحتلال لم يتمتع بمراميه بسبب الحملة التركيّة التي أنقذت البلاد من مخالبه.. وهناك عامل آخر –لا يمكن القول أنّه ممّا امتازت به البلدان الثلاثة، وإنّما تجلّى فيها بصورة أوضح- وهو أنّها شديدة المحافظة على الماضي دون تضييع، ولهذا كان لها من الآثار العمرانيّة الكثير.

وإذا ما أطلقنا على هذه المؤسسات اسم الجامعة لسنا بالمبالغين، فإنّها لم تكن مقصورة على ناحية خاصة وهي ناحية العلوم الدينية بل كانت تدرّس فيها غيرها. وهو وإن كان بقدر، فإنّه ذو نتائج لا تُنكر، وهي مع التقهقر الاجتماعي والسياسي الذي أصاب العالم الإسلاميّ في العصر الذي آل به إلى الاستعمار، حافظت على وجودها، وواكبت مسايرة العصر، ويتّضح هذا في الزيتونة.

ومن آثار الدراسات بها، في غير العلوم الدينيّة، كتاب الطبيب الشريف الصقليّ، المسمى بالمختصر الفارسي، الذي ألّفة برسم خزانة السلطان أبي فارس عبد العزيز الحفصيّ، وتوفي الصقليّ سنة 820 هـ. وكذلك مؤلّفات ابن البنّاء وغيره، فإنّها تدلّ على أنّ هذه الجامعات لم تقتصر على ناحية خاصة وتتّبع مؤلّفات أساتذة هذه الجامعات، يصوّر لنا أنها جامعات بالمفهوم العام الأعمّ، ويجدر بنا أن نطلق عليها اسم الجامعات لما امتازت به من تنظيم يشبه التنظيم الجامعيّ في المناهج الدراسيّة، ووجود امتحانات واشتراط شروط في الطلبة في مستوى علميّ خاصّ. وان كانت خالية من الأجهزة التعليميّة التي سبقت بها أوروبا. ومن أوجه التنظيم الجامعي وجود إدارة ذات إشراف لتحقيق سير التعليم، والمحافظة على المستوى العلميّ، ومراقبة الطلبة في السلوك والمواظبة، ولعلّ وجود الإدارة المشرفة من أقوى وجوه بقاء هذه المؤسّسات الثلاث.

الجامعة الزيتونيّة:

ونأخذها نموذجا من هذه المؤسّسات، لنرى كيف كانت تطوّر الجامعات الإسلاميّة، ومع أنّها أعرقها فإنّها تحتل المكان الأسمى بين الجامعات الكبرى التي أشعت على الأفكار بنور العلم منذ ما يزيد على اثني عشر قرنا باثنتين وثمانين سنة.

مما يُقارب ثلاث عشر قرنا، وهي جامعة إسلاميّة بالمعنى الأعمّ. ومنذ ذلك العهد وهي تُنير العقول بالإسلام، هادية مرشدة مع ما تقوم به من تثقيف عام، فهي مثابة آلاف الطلاب في العلوم الإسلاميّة وغيرها.

التأسيس لهذه الجامعة:

 اُتّخذ جامع الزيتونة جامعة إسلاميّة منذ تأسيسه، وهو في سنه 116 هجري، أسّسه عبيد الله ابن الحبحاب، حين قدم إلى إفريقيا واليا عليها، وعلى المغرب كلّه، ومصر، والأندلس. وكان من النبلاء والأمراء، لولا إسرافه في معاملة البربر بالإساءة، ممّا أدى إلى ثورة بور غواطة، وملازمة يحيى بن سعيد بن قيس لجامع الزيتونة، وجلوسه عند خالد بن أبي عمران، تعين أنّه كان مدرسة إفريقيّة بجانب مسجد عقبة بالقيروان، ودخول يحيى إلى إفريقيّة -وإن لم تعيّنه المصادر التاريخيّة- فإنّه قريب من سنة تأسيس الزيتونة، لأنّه لا يجلس الى ابن أبي عمران، إلاّ وهو في سنّ الطلب أو ما قاربها.

ثم رست قواعد الجامعة التونسيّة الزيتونة على الأمر الذي ركّزه علي بن زياد، فإنّه صاحب مدرسة تونس وإليه يرجع الفضل في تأسيسها، وكذلك غيرها من المدارس سواء بالقيروان أو بغيرها، فأسد بن الفرات وسحنون، كلاهما حسنة من حسناته، إذ أنّهما تلقيا عنه وهو الذي أرشدهما إلى الأخذ عن مالك.

التسلسل الثقافي:

واستمرت الثقافة الإسلامية في هذه الجامعة المؤسّسة على تقوى من الله ورضوان، فأخرجت من فحول العلماء العدد الكثير، ولم تنقطع سلسلة العلم في هذا المكان المبارك في دائرة محدودة، إلى أن تربّعت الدولة الحفصيّة على أريكة إفريقية، فاتّسعت دائرتها، وأصبحت وجهة القاصدين، وجمعت أفذاذ العلماء ومنهم:

أبو محمد البرجيني (662 هجري)، وأبو محمد القرشي التونسي المعروف ببني بزيزة (663 هجري)، وهو المحدّث والمفسّر والفقيه، وله تفسير جمع فيه بين تفسير ابن عطيّه والزمخشري، وأبو القاسم بن البراء قاضي الجماعة (677 هـ)، وأبو القاسم التونسي ويُعرف بابن زيتون (691 هـ)، وهو العلاّمة الأصولي، وابن عبد النور التونسي، وهو المفسّر، وله تفسير نحا فيه نحو الرازي في تفسيره، وله الحاوي للفتاوى، وإبراهيم بن عبد الرفيع الربعي التونسي (733 هـ)، وله معين الحكّام من أجمع أصول الحقوقيّة في المذهب المالكي.

إرسال تعليق

0 تعليقات
* Please Don't Spam Here. All the Comments are Reviewed by Admin.
إرسال تعليق (0)

buttons=(Accept !) days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Learn More
Accept !
To Top